في المدن والقري والدساكر, وأروع من وظف قلمه الساخر, بعد عبدالله النديم كاتب الثورة العرابية وخطيبها, ليضحك المصريين ويبكيهم علي أحوالهم. ويكوي بسياط كلماته الساخرة كل الذين أهدروا حقوق هؤلاء البسطاء.. ابتداء من كبار المتنفذين مهما علت مراكزهم الي صغار البيرقراطيين, مرورا بالهليبة تجار السوق السوداء ومستوردي اللحوم والفراخ الفاسدة, وناهبي البنوك المصرية من عتاولة الاستغلال وكبار أساتذة النصب الاقتصادي باسم الانفتاح سداح مداح, وكل من سولت له نفسه الاعتداء علي حقوق بسطاء مصر, ينزع عنهم السعدني ببراعة قلمه الرشيق أقنعة الخداع والكذب, ويجرهم من عليائهم المصطنع الي بلاط الشارع المصري يضحك عليهم الأمم ويجعلهم موضع تندر الجميع. عركت مصاعب الحياة ومصائبها الولد الشقي علي امتداد عمره, ابتداء من جولات الشباب في فترة الصبا مع رفاق دربه زكريا الحجاوي وأحمد طوغان ومحمد علي ماهر وأنور المعداوي وفلاح الجيزة الأشهر الحاج إبراهيم نافع, يطوفون الموالد الشعبية وراء أروع قراء السورة وكبار المنشدين الدينيين ونجوم الغناء الشعبي وثعالب الكرة المصرية, يكشفون عن مواهبهم الفذة, ويقدمونهم الي المجتمع المصري, ويساعدونهم علي أن يلمعوا نجوما في سماء القاهرة.. وقبل ثورة يوليو بسنوات محدودة عمل السعدني مراسلا حربيا لجريدة الجمهور المصري في السويس يتابع حركة المقاومة الشعبية المسلحة ضد قوات الاحتلال البريطاني, ويحرض عمال القناة علي ترك العمل في القاعدة البريطانية ويلهب بحكاياته التي يرويها عن المقاومة مشاعر المصريين, وكانت صحيفة الجمهور المصري في ذلك الزمان من أوسع الصحف المصرية انتشارا في أوساط مصر الشعبية. وعندما غادر السعدني مصر بعد محاكمته في قضية مراكز القوي الي حياة المهجر في العراق والكويت ولندن بكل عذاباتها وآلامها التي جعلت منه كاتبا سياسيا من طراز مختلف, يشرك بسطاء مصر في أكثر القضايا السياسية تعقيدا وصعوبة لسهولة عباراته التي تصيب الهدف من أقصر الطرق وأبسطها, ظل السعدني علي ولائه لوطنه, يرفض أن يكون قلمه أداة لدعم خصوم مصر, ولهذا السبب كان كثير التنقل والترحال لايستقر به المقام في بلد حتي يرحل عنه الي بلد آخر, يحمل معه هموم أسرته الصغيرة الي أن استدعاه الرئيس السادات يرحمه الله الي لقاء مشهود في الكويت تصالحا فيه, قرر بعده السعدني العودة الي مصر, وعندما كان السعدني ـ الذي كان يملك موهبة نادرة في التشخيص والتمثيل أغلب الظن أنها أثرت في شخصية شقيقة الفنان الكبير صلاح السعدني ـ يحكي لنا التفاصيل الدقيقة لهذا اللقاء الممتع, يقلد الرئيس السادات ويقلد نفسه في ردوده علي الرئيس السادات, كنا نكاد نستلقي علي ظهورنا من الضحك لدقة تصويره لتفاصيل هذا اللقاء الجميل. وعندما عاد السعدني الي مصر استقبلته مجلة المصور بحفاوة بالغة, وظلت منبره الوحيد لسنوات طويلة, بعدها تخاطفت الصحف والمجلات مقالاته الي أن تمكن منه مرض عضال أقعده عن الكتابة وعزله عن الناس فلم يعد يخرج أو يكتب أو يلتقي بأصدقائه, وسيطرت عليه حالة اكتئاب عميقة زادت مرضه وعزلته الي أن رحل الي رحاب الله. عاش السعدني حياته بالطول والعرض, خفيف الظل شديد الذكاء عظيم الكرم سليط النقد, يخالط بسطاء الناس ويسعي الوزراء والكبراء الي مجلسه, ينشدون صداقته ويستمعون الي حكاياته ويأكلون في ضيافته طواجن الفتة واللحم والعكاوي الشهية, يكتب ويضحك ويسخر من كل سلبيات عصره سخرية جميلة نافذة, ويستخرج من أعماق الشارع المصري أبطالا شعبيين يروي نوادرهم عظة وعبرة للجميع, وفي مشواره المهني العريض والطويل أصدر السعدني ثلاث مجلات, أبرزها الأسبوع التي نشرت لأول مرة رسوم فنان الكاريكاتير المصري العظيم صلاح جاهين, كما رأس لفترة طويلة مجلة صباح الخير الذي رشحه لرئاستها كاتبنا المجيد أحمد بهاء الدين, كما أصدر السعدني خلال هذا المشوار السخي في عطائه ما يقرب من40 كتابا في أدب الكتابة الساخرة والنقد الاجتماعي والسياسي والأدبي, لهذا يستحق السعدني رحمه الله أن يكتتب الصحفيون المصريون لصالح إقامة تمثال نصفي له يتصدر مدخل نقابته تخليدا لذكري كاتب عظيم أحبه كل المصريين{
|