وبالتالي فسياسة حسن الجوار هي السبيل الوحيد للتعايش بيننا لمنع التوترات التي ـ إن بدأت ـ يمكن أن تستمر طويلا وتضر بمصالح الجميع. أما أهم تلك الحقائق فهي أن مصر ومنذ فجر التاريخ تعتمد علي مياه النيل كمصدر أساسي للحياة وأي مساس بهذا الوضع يضر بمصالحها الاستراتيجية بشكل لا يمكن القبول به تحت أي ظرف من الظروف. في مقابل ذلك يجب أن تدرك مصر حقائق الأوضاع الاقتصادية لتلك الدول التي تعاني من الفقر وتدني مستوي الدخل ولا تحظي بالاهتمام الدولي اللازم لمواجهة مشاكلها التي تصل الي حد المجاعات في كثير من الأحيان. وبالتالي فالصيغة المقبولة لحل الخلاف الحالي هو عدم المساس بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل وضمان التدفق السلس للماء مقابل برامج تنمية تشارك فيها مصر بقوة لتحسين الأحوال المعيشية لدول الحوض. والبحث عن أي صيغ أخري لحل الخلاف سواء من جانب مصر أو دول المنبع يعني مزيدا من التوتر الذي يمكن أن يتطور لمستويات نحن جميعا في غني عنها وستؤدي لاستبدال سياسات حسن الجوار بسياسات أخري لا مجال لها بين الجيران الحريصين علي مصالح شعوبهم الحيوية. الخبراء يقولون إن مئات المليارات من الأمتار المكعبة من مياه الأمطار تضيع هدرا في دول المنبع, وأعتقد أن مصر يمكن أن تسهم في برامج لاستخدام بعض تلك المياه في تنمية الدول المعنية دون الإضرار بحصة مصر التي تشكل جزءا يسيرا من تلك الكميات المهدرة. ويقول الخبراء أيضا إن حروبا كثيرة ستنشب خلال العقود القليلة المقبلة بسبب النزاعات علي الماء وهي نبوءة, كما أعتقد, لا مجال لها أبدا بين دول حوض النيل, الخلافات حول ماء النيل يجب أن تحل بتوافق بين الدول المعنية بحفظ حقوق ومصالح الجميع.
|